8 ألبانيا


ألبانيا دولة إسلامية


















نزل المسافرون واتجهوا صوب الجمارك، وبقيت لوحدي واقفا لا أدري أين أذهب، لمحت عن يميني Caravan على شكل مقهى، اتجهت بسرعة نحوها لكي لا تراني الشرطة واقفا لوحدي، جلست وطلبت منه كالعادة قهوة بالإنجليزية : one espresso please!!!.
كان رجلا كبير السن ضحك في وجهي وقال:ok no problem!!!!!!. 
كأنه فهم مقصودي من الجلوس هناك.
الحافلة أمام المعبر الحدودي
















                       ما لاحظته هو أن هذا المعبر خالي من البشر والسيارات، لا يعتبر ممر رئيسي إلي ألبانيا.
أتى الرجل بالقهوة وجلس قربي، أراد محادثتي.
قال بالإنجليزية: هل أنت ذاهب على رجلك إلى ألبانيا؟!
قلت: نعم، ولكن أريد أن أستريح وأشرب القهوة أولا.
قال: فهمتك، من وجهك وتصرفك أعرف أنك تريد عبور الحدود، إلى أي بلد أنت ذاهب؟؟؟
قلت ضاحكا: ألمانيا.
قال: بلد جميل، كنت في الماضي أعمل على باخرة وكنا نزور ألمانيا غالبا.
قلت: جميل، وكيف هي ألبانيا؟؟
قال: لا بأس بها، ولكن الطرق عندهم سيئة جدا، لهذا ترى هذا المعبر خاليا، الطريق ليست معبدة تماما عندما تمر إلى الداخل.
قلت: لا أهتم لذلك أنا سأذهب مشيا.
قال: أعرف، العديد مثلك يمرون من هنا، المهم لا تمكث طويلا هنا، واذهب من وراء ال caravan،الشرطة اليونانية لن تهتم، ولكن احرس من الدوريات الألبانية، غالبا ما يفتشون الجبال بمنظارهم.
أكملت القهوة، أديته 2يورو، شكرته وودعته، قال ضاحكا:Good luck!!!
 سبحان الله عند دخول اليونان والخروج منها ألتقي بيوناني طيب يقدر حالة المهاجر السري ويتمنى له الخير.
نزلت مع الطريق المعبدة إلى الأسفل لأن المعبر الحدودي كان يتواجد على هضبة، ثم اتجهت يمينا نحو الواد الجاف، وقفت نظرت يمينا ويسارا ثم بسرعة قطعت الواد وصعدت بين هضبتين أمامي.













مدة 20دقيقة وأنا أصعد وأتسلق، وصلت إلى الأعلى واتجهت هابطا نحو الأسفل وأصادف أغنام ومعز ترعى، من بعيد أرى الراعي، هو رجل عجوز جالس ينظر إلي، أطلب الله ألا يشي بي، ولكن لن يصل الشرطة حتى أكون قد بعدت بين الهضاب لأن المكان كان كله جبلي، ما أن بعدت عن الأغنام حتى أرى 3كلاب كبيرة لم أر مثلها في حياتي، أرى هذا النوع فقط في الأفلام، هي كلاب جبلية تحمي المراعي، تملكت نفسي، حتى اقتربت مني، أصعد الجبل وهي ورائي تنبح وأنا خائف أن تثير انتباه الدوريات، لأن المنطقة جبلية نباحها يسمع من بعيد.
كلب جبلي














ما أن تتركني هذه المجموعة من الكلاب حتى تأتي مجموعة أخرى في اتجاهي، لاحظت أن كل مجموعة كلاب تحرس منطقة خاصة بها، وكل مجموعة تنبح حتى تخرجك من منطقتها وترجع، واصلت السير غير مبالي بها، فقط إزداد كرهي للكلاب.
في كل مكان تقريبا أرى قبو حربي ( Bunker) وكنت أقترب منه وأتفحصه خوفا من أن تكون الشرطة مخفية فيه، ثم أستريح وأشرب الماء، آكل شوكولاطة،فستق...
BUNKER














                                 مدة 5ساعات وأنا صاعد وهابط حتى اقتربت من أول قرية، ومن بعيد أسمع صوت المؤدن يؤدن صلاة المغرب، هنا تأكدت أن ألبانيا دولة مسلمة، واطمأنت من سماع الآذان، أحسست كأنني في بلدي.
 اقتربت من الطريق ووقفت أنتظر طاكسي لعل تأتي من جهة الحدود، كل المارة تنظر إلي، طلبت الله أن أخلو المكان على وجه السرعة.
 بالضبط قرب هذا الحائط كنت أنتظر الطاكسي














بعد قرابة نصف ساعة أتت طاكسي واستوقفتها، قلت له: أنا ذاهب للعاصمة تيرانا، قال لي: سأوصلك إلى مكان تمر منها حافلة تأخذك إلى مدينة سراندي Sarande هي أول مدينة كبيرة في الجنوب وهناك تأخد حافلة إلى العاصمة.
ثم أضاف إن أردت آخذك بنفسي إلى العاصمة ب150يورو.
قلت لا شكرا، ليس لدي المال.
الطريق كله سيء، معظمه غير معبد، ولكن أرى آلات وشاحنات تعبيد وإصلاح الطريق.
بعد 20دقيقة من السير وقف وأشار إلى  سائق حافلة، وقال إذهب إليه. أعطيته 5يورو وفرح بها وقال شكرا جزيلا!!
لأن عملتهم ضعيفة،أورو واحد يساوي تقريبا 150ليكي(Leke).
ركبت الحافلة وكل الركاب يحدقون في هذا الغريب(كحل الرأس)، جلست بكل ثقة، أسمع السائق يتحدث بالألبانية، لم أفهم شيئا مما يقوله، لكن إمرأة عجوزة تتكلم معه بصوت عال كأنها تعاتبه عما يقول، ثم تنظر نحوي وتخاصمه حتى سكت، بعد ذلك بتسمت لي وابتسمت أيضا، أظنها كانت تدافع عني، ربما السائق قال شيء سيئ عني.
بعد مدة من السير أرى على الطريق نقطة تفتيش للشرطة، أرى نظرات السائق إلي عبر المرآة الأمامية وهي لا تبشر بخير، كأنه يريد أن يقول أمسكتك!!!! اقتربت الحافلة وضغط على الإضاءة الأمامية لينبه الشرطة بالإشارة، لم يكترث له الشرطي وأعطاه إشارة بيده ليمر بسرعة لأن عدد السيارات الموقوفة كانت كثيرة.
وقفت العجوزة مرة أخرى وتعاتبه، قلت في نفسي فهمتك يا سيدتي، تدافعين عن شخص لا تعرفينه حتى، ما أطيبك!!!! ابتسمت لي مرة ثانية، وأخذت تفاحة من حقيبتها وأعطتها لي. التفاح شيء عادي في حياتنا اليومية، ولكن في مثل هذه المواقف هو شيئ ثمين، كنت متعبا،جائعا وعطشانا وشعرت عند أكلها أنها ألذ تفاحة أكلتها في حياتي.
وقفت الحافلة في وسط المدينة، طلبت من السائق بالإنجليزية كم ثمن الرحلة، وقال غير راض : إذهب إذهب!!! قلت في نفسي شكرا على الرحلة المجانية، ضحكت ونزلت.
سرندا مدينة جبلية وساحلية، بسيطة من حيث المباني والمرافق.
sarande














سألت أحد المارة عن كيفية الذهاب للعاصمة، أشار إلى حافلة في الشارع، واتجهت نحوها، وجدتها مغلقة وطرقت الباب، خرج رجل كان نائما، سألته عن التذكرة وأشار إلى مقهى وقال هناك يبيعون التذاكر، والحافلة ذاهبة على العاشرة ليلا.
دخلت وسألت النادلة عن التذكرة قالت لي 1000ليكي، قلت لها هل لديك صرف لليورو قالت نعم أعطيتها 20يورو وأرجعت لي 2800ليكي، أديت لها ثمن التذكرة وجلست لأشرب عصير الليمون، لازم فيتامينات،هههههههههه
من الزجاج أرى الشرطة لا تخلو الشارع، تذكرت كلام "منعم"، لهذا لم أخرج من المقهى حتى وصل موعد الحافلة.
خرجت وركبت، ويا لها من حافلة قديمة، أظن أن ألبانيا بلد فقير قهرته الشيوعية من قبل. فالشيوعية، كما يقال، لاتصنع شيئا سوى توزيع الفقر في الشعوب.
بعد مراقبة التذكرة انطلقت الحافلة، أردت استغلال الوقت في النوم فقط، كنت منهكا ولن أخاطر بحجز فندق بل سأكمل الطريق إلى الشمال ثم إلى مونتنيغرو، لهذا الحل الوحيد هو النوم أثناء السفر. 
خرائط:
I  : مدينة Igoumenitsa
II: المعبر الحدودي بين اليونان وألبانيا.
    (الخط الأصفر= الحدود بين البلدين).


I   : مكان وقوف الحافلة.
II : مقهى caravan.
III: المعبر الحدودي ومكان تواجد الجمارك.
IV: الواد الجاف.
V : بالأحمر الطريق الذي سلكته.
    (الخط الأصفر= الحدود بين البلدين).


I   : معبر الحدود.
II : مكان تواجد شرطة.
III: الواد الجاف.
IV:  بالأحمر الطريق الذي سلكته.
V : قرية، ولكن لا يمر منها الطريق العام لهذا تفاديتها.
VI: القرية التي يمر منها الطريق الآتي من الحدود. 
    (الخط الأصفر= الحدود بين البلدين).


******************************************************
******************************************************


التتمة1:
الطريق كان سيئا، خصوصا وأن معظم المناطق كانت جبلية. نمت نوما مستقطعا، كل مرة أستيقظ على مسمع حفرة أو أحجار صغيرة ترتطم بأسفل الحافلة، أراقب الأجواء ثم أعود للنوم. مررنا بعدة نقط تفتيش والحمد لله لم يصعد أحدا.
للإستراحة وقفت الحافلة مرة واحدة في منطقة ريفية تحوي مقهى. منطقة معزولة عن العالم. الجو بارد جدا. المرحاض جد متسخ ولا وجود للماء. كل من لم يرني في الحافلة يحدق فيالآن. بسرعة صعدت وجلست في مكاني واستسلمت للنوم.

على الساعة الخامسة صباحا وصلنا العاصمة. الشوارع خالية لا وجود لبني إنسان، فقط بعض الكلاب الضالة. في وسط المدينة ترى مبان حكومية مبنية على الطريقة الشيوعية، كأنك في روسيا مثلا، أوالصين. في جانب آخر ترى مبان جديدة وعصرية. باختصار المدينة جميلة.
وسط مدينة تيرانا

















وقفت الحافلة أمام مقهى. أظنها لشركة النقل، لأنها الوحيدة التي مازالت مفتوحة في هذا الوقت. أشار السائق إلى نهاية الرحلة، ومن أراد الإنتظار يدخل المقهى.
المقهى دافئة. كل الجالسين ينظرون بشغف إلى شاشة بلازما كبيرة أمامنا.
 بدأت الأخبار. من الصور فهمت أن هذه الفترة هي فترة إعداد لإنتخاب رئيس ألبانيا.
الكل مشغول بأخبار الإنتخابات. ألبانيا دولة إسلامية ولكنها علمانية، مثل تركيا. 
طلبت قهوة مع خبز بالزبدة والمربى. كنت متعبا لم أنم جيدا لهذا بعد جلوسي مدة ساعة من الزمن طلبت redbull . سمعت أنها تزيد من النشاط (خزعبلات!!!) وتعطيك أجنحة أيضا!! تمنيت ذلك لأطير فوق الحدود ههههههه وأنسى هذه الورطة التي أنا فيها.
وصلت الساعة السابعة صباحا، أديت ثمن الفطور. ثم سألت صاحب المقهى عن مكان محطة الحافلات. خرج معي من المقهى وأشار إلى لافتة وقوف الحافلة وقال :there,...number3,...number3,..in busstation,...no bus...,minibus...good!! minibus...good!!!n
 أراد أن يفهمني أن آخد minibus عند وصولي للمحطة لأنه أرخص ثمنا من الحافلة.
شكرته واتجهت نحو نقطة الوقوف.
حافلة المدينة













بدأ الناس وبعض التلاميذ في الوصول واحد تلو الآخر لانتظار الحافلة.
طال الإنتظار، مرت 20دقيقة ولم تصل بعد، المارة والفضوليون يحدقون.
 لم أصبر واستوقفت طاكسي. قلت له: busstation please.
وصلنا شارع مليء بالحافلات، أظن أن هذه هي محطتهم، مجرد شارع كبير.
 تسمع السائقين ينادون بالإتجاهات،
 كأنني في محطة مدينة "إنزكان" أو "ولاد زيان".
أعطيت لسائق الطاكسي ورقة من فئة 5يورو لم يبق لي الكثير من العملة المحلية. 
قال:ok is good!
إنتظرت أن يرد إلي صرف لأن الرحلة مدتها 5دقائق فقط.
قلت له:give me change "leke" please.
قال:no,no,is good!
لم أضف كلمة ونزلت.
 الله ينعلك البارحة مسافة 20كم وأعطيت لصاحب الطاكسي 5يورو كأني أعطيته ذهبا. ولكن لا مشكلة، أنا مجرد مهاجر سري ولا ورقة إثبات لدي.
 و5يورو لن أثير عليها مشاكل تؤدي إلى اعتقالي.
سمعت أحد السائقين أمام (سيارة من النوع الكبير، ما نسميه transit) ينادي: !!shkroder!!shkoder
هذا هو الminibus وهذه المدينة هي وجهتي وتنطق "شْكُودْرَا".
طلبت منه أن يصرف لي 20يورو ثم أديت له 1050ليكي ثمن التذكرة (تقريبا 7يورو، والمسافة أكثر من 200كم!!!! رخيص جدا!! ). جلست في المؤخرة قرب النافذة لأراقب الطريق. مرت نصف ساعة وامتلأت كل المقاعد. إنطلقنا على بركة الله.
 خارج العاصمة نقطة تفتيش. الحمد للله مررت دون مشاكل.
 نمت مدة 3ساعات حتى وصلنا الوجهة المقصودة. نزلت وسط المدينة.
 هي مدينة قديمة شيئا ما، تلاحظ ذلك من مبانيها وشوارعها. ولكن ما لفت انتباهي هو كثرة المساجد بها (فيما بعد سأكتشف أن معظمها مدارس قرآنية للطلبة).
ما لفت انتباهي أيضا هو كثرة الفقراء بها، تراهم يجوبون الشوارع بألبسة بالية، وأغلبهم متسولين.
مدينة شكودرا
















جلست في مطعم لأتناول وجبة الغذاء. سمعت آذان الظهر. دخلت مسجدا لأصلي.
 بعد ذلك تجولت كل شوارع المدينة تقريبا.
 حقيبة يدوية بلاستيكية فيها سروال، معطف، فوطة، حذاء وقارورة ماء.
 هذا ما كان عندي منذ خرجت من اليونان.
 دخلت إلى وكالة صرف العملات وصرفت 40يورو إلى ليكي (هنا لم أحتج هوية لأنها وكالة وليس بنك) ثم إشتريت كل اللوازم التي سأحتاجها للرحلة؛ حقيبة ظهرية، قبعة شمسية، مظلة، سكين صغير، 2جوارب، صابون، شامبوان، فرشاة أسنان وصابونها، جيل للشعر، 3معلب سمك، 3معلب خضر، فستق، شوكولاتة 2لتر ماء معدني.
 لم أنسى شيء، إلا شيئا واحدا، بحثت عنه في كل المحلات التجارية ولم أجده.
 هو ما يسمونه بالفرنسية (sac a couchage)، وهو أهم شيء سأحتاجه في الرحلة، للأسف لم أجده.
دخلت مقهى إنترنت، وجلست مدة نصف ساعة متصفحا خريطة المنطقة. لاحظت أن أقرب معبر حدودي إسمه Muriqan، ويبعد 15كم تقريبا (في صربيا حكى لي صديق أنه دخل من منطقة إسمها Hani i Hotit وتبعد 40كم عن shkoder، وهي أحسن، حيث اتبع ليلا خط السكة الحديدية). كان الجو بعد منتصف النهار دافئا، والشمس حارقة، عكس جو الصباح البارد. رغم ذلك قررت الذهاب مشيا، لأني لم أرد أن أخاطر بركوب طاكسي إلى الحدود. رسمت المسار الذي سأتبعه على ورقة. خرجت وجهزت حقيبتي على ظهري. الساعة الثالثة إنطلقت. اتبعت الشارع المؤدي إلى الجنوب وخارج المدينة. حتى وصلت نهرا على يميني. ومررت من فوق قنطرة طويلة ضيقة وقديمة. عندما تأتي سيارتان من الجهتين أوفقط شاحنة كبيرة لازم تلتصق أوتجلس على الحاشية حتى تمر.
القنطرة           
صورة أخرى للقنطرة















                   














                         أرى بعض الأطفال الصغار على القنطرة، يستوقفون ويطلبون المال من أصحاب السيارات الأجنبية المارة. لم يصلني أحدا منهم. رغم أن مظهري والحقيبة يوحيان إلى سائح. ربما هؤلاء الأطفال رغم كونهم صغار ولا تجربة لهم في الحياة فهموا أنني مجرد مهاجر سري، وأنني أكثر بؤسا منهم.
وصلت إلى الجهة المقابلة. واتبعت الطريق المعبد. النهر الآن على يساري. يمر الطريق من حي صفيحي صغير يطل على النهر، وأشاهد الأطفال يلعبون في الأزبال. شعرت أن هذه المنطقة غير آمنة (ممكن ألتقي صحاب الحال، شرطة أو لصوص ههه) وأسرعت في خطاي.

تمشيت 1كم حتى وصلت قلعة كبيرة وقديمة مبنية على هضبة صغيرة وهي على يميني. النهر دائما على يساري.
 تجنبت الطريق الصاعد نحو القلعة، واتبعت الطريق المحادي للنهر. أرى بعض السياح يستمتعون بالمنظر من أعلى  القلعة. سمعت صوت  ألباني ينادي:
 my friend come here!!!1
مسكين ظن أنني سائح تائه. بإشارة شكرته وأتممت المسير.
وصلت قرية صغيرة. كل من يمر بسيارته يحدق بفضول. بعد عدة أمتار من المشي وقفت. نظرت يمنة ويسرى ولا من قادم. بسرعة دخلت بين الأشجار عن يميني وبدأت في صعود تلة كبيرة، ما زاد من صعوبتها هي الأشجار الكثيفة والحمل على ظهري. بعد مشقة الأنفس وصلت للأعلى وجلست لأستريح وألتقط الأنفاس ثم آكل وأشرب.
لكثرة الأشجار لم أستطع أن أرى ما من حولي إلا من بعيد وعلى يميني أرى جبلا كبيرا. تأكدت أنني في الإتجاه الصحيح (تذكرته من الخريطة، وراءه بحيرة كبيرة).
واصلت السير صاعدا وهابطا بين الهضاب قرابة 3ساعات.
 على هضبة صغيرة جلست في ظل شجرة.
 أكلت وشربت آخر قطرة ماء (كان الماء أكبر مشكل صادفته. 5لترات كانت أن تكون كافية، ولكن مستحيل أخذها لثقل حملها!! لهذا اخترت 2لتر ولم تكف)
 تسلقت شجرة لأكتشف المكان. من بعيد في جهة اليسار أرى راية منتنغرو وألبانيا ترفرفان، إنه المعبر الحدودي!!
على بعد 200متر من المعبر أرى مقهى!!! الشيء الوحيد الذي بادر بذهني هو ملء القارورة بالماء.
ترددت، هل أكمل طريقي إلى داخل الحدود؟! أم أغامر باقترابي من المعبر؟!
كنت عطشانا، وفكرت أنه من المستحيل أن أكمل طريقي داخل منتنغرو دون ماء، خصوصا وأن أقرب مدينة تبعد كيلومترات!!
قررت الذهاب للمقهى لا محالة. نزلت ومررت بين ضيعات خاصة، حتى وصلت إلى الطريق ثم اتجهت صوب المقهى غير مكترث.














 دخلت لأفاجأ أنها تعج بالشرطة والجمارك!!! فقط ألبانيان من المدنيين.
 تمالكت نفسي لكي لا أرتبك، ودخلت المرحاض. ملأت القارورة. وأشبعت عطشي، غسلت وجهي وخرجت. كلهم ينظرون إلي ويتمتمون فيما بينهم بكلمات ألبانية غير مفهومة. لم أستطع الخروج مباشرة لكي لا أثير الشبهات. لأبين لهم أنني سائح ينتظر المرور إلى منتنغرو جلست في طاولة في الجهة الخارجية وطلبت عصير ليمون.
أحضر الناذل العصير وقال بفضول: where are you from ??1
قلت له أنني سائح من هولاندا وأود دخول منتنغرو.
فقال: ok is good,i can change you money to euros thats what you will need in montenegro
(حسنا، يمكنني أن أصرف لك إلى يورو هذا ما ستحتاجه في منتنغرو/عملة منتنغرو هي اليورو)
قلت: ok ,thank you.
أخدت ما بقي لي من ليكي وأديت له ثمن العصير والباقي صرفه لي يورو.
بعد قليل أراه في الداخل يحدث الألبانيين ويشير إلي. يا له من ثرثار لعين!!
ثم أتى أحدهم وجلس قربي. هو شاب في العشرينيات من عمره.
 قال بلغة إنجليزية متقنة: هل أنت ذاهب إلى منتنغرو؟
قلت: نعم، سأكمل إلى كرواتيا بعد ذلك.
قال: حسنا، أترى ذلك الرجل، إنه أبي وسيارتنا هناك، نحن ذاهبين إلى منتنغرو ونود بكل سرور أن ترافقنا ونوصلك إلى أول مدينة بها فندق.
قلت: لا، لا شكرا سأتدبر أمري.
وألح علي بحجة أن الطريق خطر الآن مع غروب الشمس، وأن من الجهة الأخرى من المعبر الطاكسيات تقل في هذا الوقت.
هو شاب طيب أراد المساعدة، وبعد إلحاحه لم يبق لي إلا أن أخبره أن جوازي قد سرق وأنني سأعبر الحدود سرا.
بمجرد أن أخبرته سكت لوهلة وقال: مشكلة! مشكلة! الشرطة في منتنغرو جد صعبة ومعروفة بالضرب والتعذيب. أنصحك ألا تغامر، على الأقل مر من كوسوفو فالحالة أحسن هناك.
قلت: لا خيار لدي صديقي.
قال: بلى، سأشرح لك ماذا ستفعل. خذ طاكسي هناك (مشيرا إلى موقف سيارات قرب المعبر)، وقل له أن يرجعك إلى المدينة. هناك نم في فندق حتى الصباح واذهب لمدينة إسمها kukes هناك سهل العبور إلى كوسوفو.
لقد غير وجهة نظري تماما، خشيت أن أدخل منتنغرو، خصوصا وأني متعب وفي حالة إحباط.(حكى لي الصديق في صربيا أن لا مشكلة في منتنغرو، وأن ما يتداول من أخبار ضرب وإهمال كان في الماضي مع تزامن تفكك الدولة اليوغوسلافية، أما الآن فالكل يريد دخول الإتحاد الأوروبي، ويعاملون المهاجرين السريين معاملة حسنة)
قلت: هذا ما سأفعله، شكرا يا صديقي على المعلومة.
وقال: لو أخبرت الناذل لوشى بك عند الشرطة، فهذه مقهاهم المفضلة.
 لا عليك سأخبر أبي أنك غير ذاهب لأنك نسيت شيئا في الفندق. أتمنى لك التوفيق.
اتجهت نحو الطاكسي، وأخدني للمدينة، طلبت منه أن يدلني على فندق متوسط الثمن. أخذني إلى فندق إسمه Argenti.أديته 10يورو. دخلت الفندق. عند الإستقبال رجل سمين في الأربعينيات من عمره. حكيت له أنني مسلم من هولاندا وأن جوازي قد سرق وأنني مستعد لأزيده عن ثمن الغرفة.
قال: ok,no problem,just wait one minute.1
ثم ذهب لينادي أحدا، ظننت أنها خدعة ليتصل بالشرطة.
لكن بعد دقيقتين أتى مع رجل كبير في السن وطلب مني 5يورو فوق ثمن الليلة الواحدة الذي هو 10يورو أي المجموع هو 15يورو للليلة زائد وجبة الفطور في الصباح في المطعم السفلي.
قال ضاحكا :muzulman,no problem
 ثم أعطاني المفتاح وصعدت لغرفتي.
hotel argenti














دخلت الغرفة، وضعت حقيبتي التي أتعبت كتفاي طوال النهار دون الوصول لنتيجة. نزعت حذائي لأتفحص باطن قدمي حيث كانتا تؤلماني من كثرة المشي في المسالك الوعرة منذ خروجي من اليونان. تفحصتها لأرى بقع بيضاء كأن هناك أكياس ماء بين الجلد واللحم. آلمتني كثيرا. نزعت ملابسي ودخلت لأستحم كي أزيل التعب قليلا. خرجت واستلقيت على السرير لأحس براحة لم أحس بها في حاتي. تذكرت فراشي في المغرب، والأكلات الشهية المغربية، والحي الشعبي، تذكرت العائلة والأصدقاء. لم أكن أعر اهتماما لمثل هذه الأشياء البسيطة والروتينية، ولكن هنا لها قيمة كبيرة جدا، افتقدت كل ذلك. 
شغلت التلفاز لتلهيني حتى أنام.
أفكر في طريقي غذا كيف سيكون، ولماذا لم أدخل لمنتنغرو؟ ربما الله تعالى لم يشأ أن أمر من ذاك الطريق لسبب ما (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ).
 هل فعلا أذهب لكوسوفو؟! هل ما قاله ذلك الشاب صحيح؟!
 ما أعرفه عن كوسوفو هي أنها منطقة عسكرية.
 غذا إنشاء الله سأبحث عن مزيد من المعلومات على الإنترنت وأتأكد وأضع خطة محكمة.
بدأت في قراءة آية الكرسي وبعض السور حتى غلبني النعاس...
(يتبع قريبا...)

خريطة:
I  : مدينة شكودرا. 
II : القلعة.
III: المعبر الحدودي.
A: بالأحمر المسار الذي اتبعته.
B: الطريق الرئيسي.
فيديو(وجدته على اليوتوب هو لسائح انطلق من القنطرة إلى أن وصل إلى القلعة)